ساكنة بوجدور تتجرع مرارة البؤس والتهميش في”مدينة التحدي”

0

اخبار بحر الصحراء: هسبريس.

 

تُسمّى مدينة بوجدور “مدينة التحدي”. يُقال إن الملك الراحل، الحسن الثاني، هو الذي اختار لهذه المدينة الصحراوية الصغيرة هذا الاسم. لكنّ سكان المدينة يتحدثون اليوم بسخرية كبيرة عن لقب “التحدي” الذي تحمله مدينتهم، ويقولون إنها فعلا مدينة التحدي، حيث تتحدى الواقع البئيس الذي ترزح تحته.

خيراتٌ بحرية بلا مردود

في زيارة إلى ميناء مدينة بوجدور، بمعيّة مجموعة من الصحافيين، كان مندوب الصيد البحري يتحدث بحماس كبير عن حجم الأسماك التي يجري إفراغها في الميناء، وعن قيمتها المالية في السوق، لكنّ سكان بوجدور لا يصلهم من عائدات ثروات بحرهم إلا الفتات، ذلك أن الأسماك تخرج من البحر وتُحمل على وجه السرعة إلى أكادير قصد التصدير أو التصبير.

يقول المسؤول الأوّل عن الصيد في المنطقة: “عند جلاء الاستعمار الإسباني لم يكن في مدينة بوجدور غير المنارة (منارة وسط المدينة)، ولم تكن المدينة تتوفر على قطاع الصيد، ولم تكن بها أوراش تنموية، لكن الدولة بذلت مجهودا كبيرا، خوّلنا اليوم الحديث عن مشاريع استثمارية كبيرة، وعن قطاع صيد قوي”.

وحسب المعطيات التي قدمها مندوب الصيد البحري، فإنّ ميناء بوجدور هو ثالث أكبر ميناء للصيد في الأقاليم الجنوبية، تُفرغ فيه خمسة وخمسون ألف طن من الأسماك، من القشريات والرخويات وأسماك العمق وأنواع أخرى من الأسماك. ويصل رقم معاملات الميناء إلى ما يناهز 570 مليون درهم سنويا، لكنّ أثر هذه العائدات على بوجدور قليل.

في باب الميناء يقف طابور من شاحنات نقل الأسماك، بمجرد ما يخرج ما احتوتْه بُطُون البواخر من شتى أنواع السمك يتم نقله إلى أكادير، لكون بوجدور تفتقر إلى مصانع يمكن أن تجعل خيرات بحر بوجدور باقية على ترابها. ويعلق شاب بسخرية: “يقول المسؤولون إن لدينا ثروة بحرية هائلة، وسعْر الكيلوغرام الواحد من “الكوربينة” سبعون درهما”.

أوراش مفتوحة إلى متى؟

لا يكلُّ مسؤولو مدينة بوجدور من الحديث عن “الأوراش المفتوحة” التي تعرفها المدينة، ويشدّدون على أنَّ هذه الأوراش ستجعل من “مدينة التحدّي” مدينة منافسة لحواضر الصحراء، وتحديدا العيون والداخلة، غير أنّ عددا من سكان المدينة الذين تحدثت إليهم هسبريس، وخاصة الشباب، يقولون إنَّ الأوراش التي يتحدث عنها المسؤولون طالَ انتظار إنجازها أكثر من اللازم.

بكثير من الفخر يتحدث مدير المديرية الإقليمية للتجهيز والنقل واللوجستيك ببوجدور عن المشاريع التي أنجزتْ في المدينة، ومنْها حلَبة لتعليم السياقة قالَ إنها ثالث أكبر حلبة من نوعها في المغرب؛ لكنَّ الأمر لا يتعلق سوى بساحة معبّدة يتدرّب فيها الراغبون في الحصول على رخصة السياقة، وكلّف إنجازها مبلغ 300 مليون سنتيم.

المثير هو أنّه في وقت تحتاج مدينة بوجدور إلى إنشاء وحدات صناعية لتوفير الشغل للشباب، يتمّ تشييد مقر جديد للمديرية الإقليمية للتجهيز والنقل واللوجستيك، بمحاذاة مقرها الحالي، الذي لازال في حالة جيّدة. ويصل الغلاف المالي المخصَّص للبناية الجديدة إلى مليار و200 مليون سنتيم.

من بين المشاريع التي ينتظر سكان مدينة بوجدور السريع بإنجازها، تعميم شبكة التطهير السائل بالمدينة، وهو ما تعمل السلطات الإقليمية ومصالح المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب على إنجازه، إضافة إلى إقامة محطة للضخ والتطهير ومحطة لمعاجلة المياه العادمة، خاصة مع اختناق شبكة التطهير بمحاذاة محطة الضخ.

مشروع آخرُ يترقب سكان مدينة بوجدور، التي يرأسُ مجلسَها البلدي رئيسٌ عمّر في منصبه زهاء اثنين وأربعين عاما، أطوارَ إنجازه، وما إنْ كانت ستتم في الآجال المحدّدة، وهو ربْط المدينة بالشبكة الوطنية للكهرباء، مع تعميم الاستفادة منها بكل أحياء المدينة. وقد انطلق هذا المشروع بصيانة شبكة الضغط المنخفض ودفن شبكة الضغط المتوسط.

البُطءُ الذي يسمُ إتمام “الأوراش المفتوحة” في مدينة بوجدور يتجلى في أشغال تهيئة كورنيش المدينة، والتي عرفت تأخّرا كبيرا، عزتْه الجهات المسؤولة عنه، حسب معطيات رسمية حصلت عليها هسبريس، إلى إعادة الدراسات الجيوتقنية المتعلقة بالحائط الوقائي، حيث تقرّر جعْل طوله 5 أمتار، بدَل 3 أمتار المُدرجة في الدراسة الأولى. وقد حُدّد 30 يونيو 2018 كأجل لإنهاء الأشغال بالكورنيش، والتي لم تتعدَّ 60 في المائة.

حزام للفقر

لا تفتقر مدينة بوجدور إلى بنية تحتية فقط، بل تفتقر إلى أبسط مقوّمات المدينة الحديثة، مثل الفضاءات الترفيهية، كالحدائق. ولا يجدُ سكان المدينة ملاذا يزجون فيه وقتهم، غير المقاهي. يقول شاب مقيم في مدينة العيون: “كنت أعتبر دائما أنّ العيون لا ترقى إلى مستوى مدينة، ولكني عندما جئت إلى بوجدور صرْت أرى مدينة العيون جنة”.

حين تتجوّل بين دروب وأزقة مدينة بوجدور، تقف على الفارق الصارخ بين ما تردّده ألسنة المسؤولين، من أنَّ المدينة بمثابة ورْش مفتوح، وبين ما هو موجود على أرض الواقع. الدروب والأزقة تعجّ بالحُفر، وحين يُسدل الليل ستائره تغرق كثير من الأزقة في ظلام شبه تام، بسبب ضعف الإنارة، خاصة في الأحياء الهامشية، كما عاينت الجريدة.

في الحيّ حيث يعيش المواطنون الذين كانوا يقطنون في مخيم الوحدة، يبدو التهميش الذي يطال مدينة بوجدور في أقصى تجلياته. بيوت هذا الحي واجهة أغلبها مازال الآجر الذي بُنيت به عاريا، مشكلا حزاما للفقر يطوّق جزءا من خصر مدينة بوجدور.

أما السكان الذين يقطنون هذا الحيَّ منذ سنة 2010، فيعيشون بالمساعدات التي تقدمها لهم الدولة. ويعبّر أحد قاطني هذا الحي، الذين كانوا يسكنون في مخيّم الوحدة، عن الفقر المدقع الذي يرزحون تحته بالقول: “ما عندناش. ما عندكش حتى باش تفوت العيون”.

ويضيف المتحدث ذاته: “غير لاحونا هْنا وصافي. قالو لينا كاين الما والبُقع مجهزة بالضو والواد الحار، وملي جينا ما لقينا لا ما لا ضوّْ. مؤخرا يالله بداو كيدخلو الماء للديور، ولكن فارضين علينا نخصلو ستّين ألف ريال، والناس مساكن ما فحالهومش”.

وفيما يسود تناقض صارخ بين ما يصرّح به مسؤولو بوجدور، وبين ما ينطق به واقعها المزري، يحمّل عدد من مواطني المدينة الذين التقت بهم هسبريس مسؤولية هذا الوضع للمنتخبين والسلطة المحلية. يقول شاب: “لقد مرّت ثلاث عشرة سنة عجاف على مدينة بوجدور، لم تشهد فيها إنجاز أي مشروع، بسبب تساهل العامليْن الأخيرين. وننتظر أن يغيّر العامل الجديد هذا الوضع.. خلال الأشهر الثلاثة التي قضّاها هنا أبان عن رغبته في العمل، لكننا لا نعرف هل سيستمر على هذا النهج أم لا”.

هسبريس – محمد الراجي
Leave A Reply

Your email address will not be published.